سقطت دمشق بدون حرب، انهار نظام الخوف والتعذيب والبراميل المتفجرة بدون مقاومة، فرّ الأسد مثل فأر خارج بلاد دمّر فيها حكمه كل شيء. على مدار أكثر من ستة عقود، لعبت عائلة الأسد بمصير الشعب السوري تحت يافطات فارغة وشعارات جوفاء: العروبة، المقاومة، تحرير فلسطين، التصدي للمؤامرة. وكأن العروبة والمقاومة لا تتحدث إلا لغة واحدة، هي لغة الديكتاتورية والتسلط والخوف والرعب من أجهزة المخابرات وأقبية السجون!
أنظمة الاستبداد مهما طال عمرها، مآلها إلى زوال، بكلفة غالية نعم، بعد عقود من الشقاء والحرمان والسجون نعم، بعد ملايين اللاجئين والنازحين والمهجرين والمعتقلين وآلاف الشهداء والمعطوبين نعم، لكن للأسف، هذه هي أنظمة الاستبداد العربي: تأتي على الأخضر واليابس حتى آخر رمق، تتنازل للجميع إلا لشعوبها، تفاوض الأجنبي لكنها أبدًا لا تفاوض ابن البلد. نزعة قبلية، عصبوية، تخلف جيني، وتقوقع مذهبي، والنتيجة ها هي أمامنا: درس للحكام والمحكومين في كل العالم العربي. أطفال دمشق يبولون هذا الصباح على تماثيل وصور الأسد الأب والابن في الشوارع. كم هي قاسية هذه المشاهد على كل مستبدّ غافل!
كم كانت معبرة تدوينة الفنان السوري أيمن زيدان، الذي كان مواليًا لنظام الأسد طيلة حياته الفنية. غرد هذا الصباح على منصة X، وبعد أن تأكد رسميًا ونهائيًا سقوط نظام الكيماوي، قائلاً: “أقولها بالفم المليان: كم كنت واهماً، ربما بتأثير ثقافة الخوف، وربما بسبب الخوف من التغيير، كنا نؤيد النظام. شكراً لأني أحس الآن أني أشيع خوفي وأوهامي بشجاعة. أعتذر عما كنت أراه وما كنت أفكر فيه…”.
كم كان هذا الكلام سيكون ذا قيمة لو قاله صاحبه في الوقت والزمان المناسب! لا أستطيع أن أمنع نفسي من ختام هذه التدوينة بما قاله الشاعر الأرجنتيني العظيم بابلو نيرودا:
“Ils pourront couper toutes les fleurs mais jamais ils ne seront les maîtres du printemps.”
“تستطيعون قطف كل الأزهار، لكن أبداً لن تكونوا سادة الربيع
عذراً التعليقات مغلقة