قبل أن يجتمع الثلاثة في تنظيم مونديال الثلاثين، وهي مناسبة سارّة يتراقص لغبطتها موجُ المتوسط وقلوبُ المبتهجين من أقصى شمال إسبانيا إلى أقصى جنوب المغرب، ثمة حاجةٌ لتأمل عدة دلالات لما يجمع الدول الثلاث ما فوق الجغرافيا والتّاريخ والثّقافة، قبل أن تتوازى على ملاعبها هتافات المجذوبين برقصة الكرة بين أرجل البارعين في المراوغة وتسديد الأهداف.
سيكون الحدث تجسيدا لأصالة الثقافة المتوسطية، وخاصة في بعدها الأندلسي الإيبيري وفيه عقلانية ابن رشد (1198-1126) وميراث الحركة الرشدية The Averroesit Movement في نشر التنوير الأندلسي منذ قرابة عشرة قرون ومساهمته في تطور فلسلفة الحداثة في أوروبا وبقية الغرب. وتتوهج أيضا أوجه أخرى للحضارة الأندلسية ومنها فنون الطبخ القرطبي والغرناطي والإشبيلي والفاسي والتطواني والسلاوي والرباطي، وكأن طبق “البقية” Paella يقول إن للمجد بقية ناصعة تنتظر الزوار لهذا الغرب المتوسطي.
قد تتعدّد أوجه الاحتفاء بأهمية الإعلان من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم. لكني لا أقبل أن تأخذنا حماسة الاحتفال والافتخار بعيدا في الرمزية والإسقاطات السخية على دور المغرب في مونديال 2030. وبين 2023 و2030، تجربة ثلاثية ستكون لثلاث دول في الوضع نفسه بين قارتين: كندا، والولايات المتحدة، والمكسيك في استضافة مجموع 80 مباراة بفعل أن عدد الدول المشاركة سيكون 48 دولة للمرة الأولى في تاريخ المونديال منذ دورة 1930. أودّ أن نركّز العدسة على نصيب الولايات المتحدة التي ستستضيف 60 مباراة، بينما كندا والمكسيك لن يتجاوز نصيبها 10 مباريات لكل دولة. ويفرض السؤال ذاته بإلحاح: أين منطق التقسيم العادل بأن تستضيف كل دولة 26 مباراة على الأقل.
يمتد السؤال ذاته إلى مونديال 2030 الذي سيكون مئوية المونديال، وستقام المباريات الثلاث الأولى في أمريكا الجنوبية وبالتحديد في الأرجنتين والبراغواي والأوراغواي. يتقلص مجموع المباريات إلى 101 مباراة في سياق الاستضافة المغربية الإسبانية البرتغالية المشتركة. ولا يزال إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم والعواصم المحتفية به تقف عند “ويل للمصلين”. والدلالة الأهم التي تغيب في المشهد الراهن: ما نصيب المغرب وإسبانيا والبرتغال من المباريات المرتقبة في مونديال 2030، وهل ستستضيف ملاعب مراكش والدار البيضاء والرباط وفاس وطنجة جميعها أكثر من مباراة من دوري 12 الذي سيحل محل دوري 16 بنفس العدد الذي سيكون للملاعب في إسبانيا والبرتغال؟
سؤال ينبغي ألا يتمّ تبخيسه الآن أو تجاهله لأن العبرة في التفاصيل. ولا تستطيع أي قصاصة إخبارية أو تصريحات تزكية أن تخوض في الرد عليه. لذلك، ينبغي معرفة نصيب كل دولة خاصة وأن الأهمية الرمزية والرياضية والسياحية والثقافية ستتجزأ منذ البداية بين ست دول في قارتين بعيدتين عن بعضهما بعضا.